العروبة لم توحدنا ولم تنتشلنا من الأمراض والجوع والفقر كما لم توفر لنا حياة الأمن الداخلي منه والخارجي؛ العروبة أفرزت نمطين لمواطني الأمة العربية؛ مواطنين عبيد ومواطنين سادة أيها السادة؛؛؛ الأخيرين يقومون بانتهاك حقوق النمط الأول على سائر هذه الأرض العربية باستخدام السلطة السياسية وبالشرعنة الإسلامية المُـبررة "التي لا يعترف بها الإسلام وليست من أصوله ولا من تعاليمه ولا حتى من توصياته"؛ والنمط الثاني كان ظاهرة وبحق؛ قد امتدت زمناً طويلاً عبر التاريخ إلى زمننا هذا الذي نخط به مسودات على الورق. ولأن الانتهاك كان شكلاً وظاهراً مرفوض انسانياً فكان لابد ولأجل تطبيقه من ترعيب وتخويف وشيئاً من توفير أجواء الشح في بعض المستلزمات الحياتية البسيطة "ولكن الضرورية جداً" للنمط الأول فيكون حينها العوز والحاجة والسعي الدؤوب لتأمينها؛ ومع وجود الترعيب والتخويف ينتظم هذا النمط في أرتال وهمية أو حقيقية يرتضون بكل شيء.
فهل الوحدة العربية هي وحدة النمطين في الحال والمعيشة وتقاسم الثروات اقتساماً على حسبِ ما يقدمه الفرد وعلى حسب عجز الفرد جسدياً فتُـعطى حصته بحسب حاجته؛ أم هي وحدة عربية لتوحيد الآلام والحرمان وكم الأفواه والسرقات والحسابات المصرفية في الخارج مع الحفاظ على النمطين السابقين؟.... أعتقد بأن الحالة الثانية هي القائمة؛ فالبفعل نحن نعيش الوحدة العربية لكن بشكلها الثاني؛ طبعاً باستثناء وحيد وهو وجود حسابات مصرفية متعددة في الخارج.
أما التنطع بالوحدة العربية ذات الشكل الأول فما هي إلا حقن مورفين تُـحقن في فكرنا بين الحين والآخر؛ ومن لم تخدره فيضرب بأسفله حقنة سريعة المفعول. أما المورفين ذاك؛ فإنه يجعل النمط الأول يشعر بأنه بذاتِ وزن النمط الثاني وبذاتِ وزن بقية مواطني العالم؛ كما تجعله يصدق ذلك لدرجة أنه يفخر بعروبته؛ وتجعله لا يرى النفاق إلا ككرم أخلاق في المعاملة الحسنة؛ كذلك فإن تلك الحقن تقوم بتوليد مخيلة واسعة للمحقون فكرياً وأظنه المغبون؛ تلك المخيلة تجعل النمط الأول يعيش في أحلامٍ كما لو أنها حقيقة؛ فيجزم مثلاً على أن النصر حليفه وعلى أن أمته قادرة على صد أي عدوان مهما كان وعلى أن الأعداء يمكن رميهم بسهولة في البحر؛ ومنهم من وصلت بهم الأحلام تلك أن يجزموا بإغراق اسرائيل باجتماع بصقاتهم عليها؛ لا تلومونا يا شعوب العالم ولا تسخروا منا؛ هو المورفين يفعل هذا.
كل اللصوص وهذا ناموس؛ يتقاسمون الحلوى بعد سلبها؛ فكيف إن كانت مسلوبة ووُهبت إليهم مُـقسَّـمة.... من يفكر ومن يعتقد بعد هذا أن يقوموا بتصفيف القطع تلك في قالبٍ واحد؟!!؛ هذا التصرف الشنيع ينافي ذاك الناموس.
المعاناة بدأت منذ زمنٍ بعيد من قبل ابتلاءنا بالاحتلال؛ وكانت من نتاج الاستبداد والانتهاك... المعاناة تلك مهدت الطريق للاحتلال؛ والاحتلال نهب وسلب ثم أفرز التقسيم؛ ووهبه مُـقسم للظافرين مع ضمان الولاء لهم وصون العهود والمواثيق.
أن تحلم بالنهضة وبالحضارة هو حقٌ جائز لك؛ شريطة أن لا تفسرها وأن لا تحدث الآخرين عن تلك الأحلام؛ وإلا كان فعلك ذاك موجباً لكَ بخازوق عادةً لا يُـحمد عُـقباه.
وحدةٌ من النوع الأول ذاتُ المورفين تجعلك تهذو وتعتقد أن بها الخلاص؛ وتُـبعد عنك الاستفسار العقلاني والسؤال الذي على المحك كما وتبعد يدك عن وطء مكان الجرح. فما علاقة الوحدة العربية بالمساواة والحرية وتقاسم الثروات وبركب سلم الحضارة وتطلعات الشعوب العربية؛ إن كانوا هم مسلوبين ومكمومي الأفواه ومقهورين من قبل النمط الثاني والأخير هو من تُـعقد عليه آمال تلك الوحدة؟!!!
حينها يستيقظ النمط الأول من غفوته وسكرته ومن حلمه إن استطاع طرح هذا السؤال بينه وبين نفسه؛ ولكني أحسبه لن يستيقظ. مرد ذلك هو وجود الكثير من النظريات والأفكار المستوردة التنويرية منها وغير التنويرية التي تصفعه حين يستيقظ ليغفو في حلمٍ آخر؛ فهي بحدِّ ذاتها ضرباً من ضروب المورفين؛ تجعلك تجزم مثلاً أن الحكم بأحكام الله سيرجعك مئات السنين إلى الوراء؛ وأن أحكام الله تؤخر ولا تقدم؛ وأمثلتهم على ذلك كثيرة يغرقونك بها فلا تجد وأنت ثملٌ ومعوز ومقهور سُـبل الرد عليهم فتنساق في متاهات مظلمة أخرى سماؤها الأوهام وأرضها أرض الأحلام.
ولأن الشرع بات شرع الغاب؛ وشرع تضارب الأفكار والأحلام التي تعود إلى كل نهج من كل حدب وصوب؛ فحتى النمط الأول بات ينقسم على ذاته ليفرز جزارين ومذبوحين؛ وحتى المذبوحين ذاتهم انقسموا أيضاً على أنفسهم ليكونوا جزارين وحسب كل واحد وشطارته "قذارته"؛ فأصبح بيدِ كل منهم سكين وأهداف؛ سكينٌ وأهداف... لا تسلوني عن طريقة استخدام السكين ولا عن الغاية التي تبرر الوسيلة. فيكفي لتحيط بها علماً أن تلمس اللاآدمية في أسلوب معيشتنا والنفاق في أفعالنا وفي قول الكثير مما لا نفعله. هؤلاء جميعهم كفروا إلا بالنقود. ولكثرة السكاكين والجزارين أنا لم أعد أجد فارقاً بين مغتصب كبير وآخر صغير؛ بين حاكم كبير وبين رب عمل؛ بين نصاب ومستغل كبير وبين نصاب مستغل متخفي بشهادة علمية؛ سواءً أكانوا قضاة أم أطباء أم مدراء لمشافي خاصة أم معلمين في مدارس أم سياسيون أم محامون أم ضباط أم حتى رجال دين أم أصحاب متاجر أو مراكز صيانة؛ فجميعهم تحالفوا مع الشيطان والهدف هو المال والجاه والسيطرة؛ إذاً لدي عذر أن لا أجيبكم عن الوسيلة؛ إذ باتت واضحة وأشكالها متعددة؛ لكن جميعها لا يوازي أي مسار من أحكام الله على الأرض "المرفوضة فرضاً عبر حقن المورفين وعبر متوهمي ومناصري الفكر الغربي (رغم أنهم من النمط الأول؛ إذ هم باتوا وسائل للنمط الثاني يعينوهم بدون دراية منهم كونهم هم مخدرين ايضاً؛ يعينوهم على حقن النمط الأول بالمزيد من المورفين)... وجميع تلك الوسائل توازي مفاهيم النظرية الاجتماعية الداروينية!.. البقاء للأقوى؛ وبقدر حجم وصلابة مخلبك يكون وسع عيشك.
إن حكم الله على الأرض؛ قد ساوى بين الناس كافة وجعلهم سواسية كأسنان المشط؛ فلا فارق اجتماعي ولا انساني بين حاكم ومحكوم؛ وبين رب عمل وربيب؛ وبين غني وفقير؛ وجعل الحق لصاحب الحق حصراً بغض النظر تماماً عن مكانته أو جاهه؛ إلا بالتقوى؛ مع فارق طبيعي وجوهري بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ ولكن هذا الفارق لا يخول للطرف الأول سلب واستغلال الآخرين؛ فهناك حد هو دائماً بالمرصاد.
إن حكم الله على الأرض حورب وبشدة وبكل ضراوة؛ وسيظل يُـحارب؛ ما دام يقلّم المخالب وما دام يقدم للإنسان حق المساواة وما دام عماده التقوى. قد يستغرب بعض العاقلين من بعض المتنطعين بفصل الدين عن الدولة رغم أن الدولة لا تحكم بالدين!!!... وأحسبه الخدر ذاته قد أعطى مفعوله تماماً؛ لأن من يتنطع بذلك هو بالأساس من النمط الأول!! والمشكلة ليست بالدين؛ ولا حتى بغطاء الدين ؛ والتعبير "غطاء الدين" بحد ذاته خاطئ؛ إذ ليس للدين من غطاء؛ المشكلة هي بالنمط الثاني.... ومع الأسف؛ وكما أسلفت فقد اصبحت المشكلة في الجميع من بعد انقسام الجميع على ذاتهم؛ كل فرد معه سكين يذبح به من يذبح ويقهر به من يقهر (مدرس وطلاب وإهماله واجبه ذريعة ووسيلة ليكون مدرس خصوصي مبدع؛ طبيب ومريض؛ مشفى خاص ومرضاه؛ بائع ومشتري؛ تاجر ومستهلكين؛ قاضي مرتشي وحق مسلوب؛ عامل صيانة وزبون؛ ومذبوح على أيدي آخرين ومذبوح آخر على يده ذاته... الخ)
إن التقوى والورع وخوف الله (مع وبوجود) حد الله وأحكامه على هذه الأرض لا يجعل لأي انسان ثروة طائلة ولا جاه دائم لأجيال؛ إن حكم الله على الأرض لا يجعل صغار النفوس تصعد على أكتاف من عليهم العماد والبأس؛ إنه يجعل فقط اللقمة تصل إلى صاحبه بزند يده وبعرق جبينه وبفكره وبعقله وبتدبره ضمن سلوك أخلاق يرحم الآخرين ولا يتعدى حدود الله.
كل من ليست له القدرة على تأمين سبل الحياة بالنهج الإنساني الأخلاقي؛ تراه يحارب حكم الله؛ لأنه لا سبيل لأهدافه إلا مخلبه.
أما البقية ممن لديه حب للآخرين وضوابط انسانية تحتم عليه الصدق في عمله ومعاملته والآخرين؛ فمرده هو أنه واقع تحت تأثير خدر المورفين؛ فجزم أن حكم الله هو السبب في التخلف؛ فلم يعد يرى من هم السبب! ولكن الآن قد كثروا ولم يعودوا متمثلين فقط بالنمط الثاني؛ لأن النمط الأول كما ذكرت قد انقسموا على ذاتهم... وكثر عدد الجزارين.
وللفارق الشاسع بين الوحدة العربية وبين واقعنا الراهن المبتور والمعتل حسبما استعرضت أعلاه؛ والذي يقوم على الاستغلال والسلب من قبل الجميع للجميع؛ هل سنطير بأجنحة ميثولوجية لنجتاز هذه الفجوة السحيقة؟
حقاً هذا سخف...
ما علاقة الوحدة كحل لوضعنا ونحن نمسك كل منا بسكين!!! هل الوحدة العربية تمنحنا الأخلاق والتقوى؟؟؟؟؟؟؟؟
هل الوحدة العربية تجعل القاضي المرتشي قاضي غير مرتشي؛ ومن يرشوه هو واحد منا وفينا. هل الوحدة العربية تجعل الجميع متساوون أمام القانون؛ ومن يخرقه هو واحدٌ منا وفينا؟ الأمثلة كثيرة عن أكل مال هذا لذاك وانتهاك حرمة ذاك لذاك؛ بإمكانكم أنفسكم حصرها.
الوحدة العربية وهم؛ وأفيون للتخدير. ومهرب من فضائح حقيقتنا اللا إنسانية واللا أخلاقية إلى تصور خرافي عن حلول الأخلاق والعدل والمساواة. وأولو الأمر منا متفهمون جداً لهذه الحقيقة.
وللتذكير فقط؛ كانت هناك قبائل متفرقة تتقاتل... ثم (وليس عن طريق الطيران بأجنحة ميثولوجية) بنوا حضارة علمية إنسانية أخلاقية كانت العماد الأساسي لحضارة علمية فقط!!! نرزح الآن تحت نيرها وبطش ماكنتها وإفراز الحلوى الكاملة من بعد سلبها ثرواتها على شكل كانتونات سُـميت بالدول العربية إلى رجال بينهم وبين أصحاب تلك الحضارة عهود ومواثيق.
قبل "ثم" الموجودة أعلاه؛ قاموا باتباع شيء.... أحسبكم حزرتموه....
حاولوا فقط رمي بقية النظريات عرض الحائط؛ واتخذوا بما قد اتخذه أجدادنا؛ وأخبروا أولادكم عن صحوتي أعلاه؛ وأوصوهم أن يقصوها على أولادهم.
وأخيراً أختم كلامي بشيء؛؛ وهو أن الحتف الذي نلقاه كل يوم هو بسبب انقسام النمط الأول على ذاته؛ واختياره الطريق الأسهل (على حسب ظنه) ليحظى على لقمة العيش بل وللمصيبة؛ توسيعه لدرجة الثراء (وهذا زاد من تعقيد مشكلتنا وسهّـل وصولنا للحتف الظلامي الأسود) وعدم اتخاذه (ولو بعزم أطفال الحجارة) القرار الحاسم لوقف النمط الثاني عند حده. فتفاقم الوضع سوءاً ووصلنا إلى ما وصلنا إليه في جو متلبدٍ بالاتجاهات وبالأفكار المتضاربة؛ وكلها غيوم تحجب عن بصيرتنا نور الحق.
فهل نبصر هذا النور يوماً عبر قلوبنا وعقولنا؟... أم ماذا؟
© October 23 2007 ___ Eng. Assem